الأستاذ الدكتور عبد الرحمن سيد سليمان
قسم التربية الخاصة كلية التربية - جامعة الملك سعود
يواجه الأطفال المتخلفون عقلياً مشكلات واضحة في القدرة على الانتباه والتركيز على المهارات التعليمية وتزداد درجة ضعف الانتباه بازدياد درجة التخلف ، إذ يواجه الأطفال ذوي التخلف العقلي البسيط مشكلات أقل في القدرة على الانتباه والتركيز مقارنة مع ذوي التخلف العقلي المتوسط والشديد.
كما تعتبر مشكلة التذكر من أكثر المشكلات التعليمية حدة لدى الأطفال المتخلفين عقليا سواء كان ذلك متعلقاً بالأسماء أو الأشكال أو الوحدات وخاصة التذكر قصير المدى.
كما يعاني الطفل المتخلف عقلياً من قصور في عمليات الإدراك العقلية خاصة عمليتي التمييز والتعرف على المثيرات التي تقع على حواسه الخمس، بسبب صعوبات الانتباه والتذكر، فالطفل المتخلف عقلياً لا ينتبه إلى خصائص الأشياء فلا يدركها وينسى خبراته السابقة فلا يتعرف عليها بسهولة، مما يجعل إدراكه لها غير دقيق أو يجعله يدرك جوانب غير أساسية فيها. وتزداد عملية التمييز لدى المتخلفين عقلياً صعوبة كلما ازدادت درجة التقارب أو التشابه بين المثيرات المختلفة، كالتمييز بين الأشكال والألوان والأحجام والأوزان والروائح المختلفة، ولكن على الرغم من مواجهة القابلين للتعلم من ذوي التخلف العقلي لهذه الصعوبات إلا أنها أقل حدة من وجودها لدى الفئات الأخرى.
ومن أهم الاختبارات التي تستخدم لقياس معامل ذكاء الأطفال المتخلفين عقلياً ما يلي :
(1) مقياس ستانفورد ـ بينيه للذكاء ( الصورة الرابعة ) :
يعد مقياس ستانفورد -بينية للذكاء من أكثر الاختبارات شهرة وأوسعها استخداماً ويرجع تاريخ هذا المقياس إلى محاولات بينية وسيمون في فرنسا عام 1905 ، ثم مراجعة تيرمان وتلاميذه في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا وإعداده ليصلح للاستخدام في البيئة الأمريكية عام 1916 ، وظهرت المراجعة الثانية تحت إشراف تيرمان وميريل عام 1937 وكانت صورتين ( ل ، م ) امتد كل منهما إلى مدى عمري أوسع ، كما أعيد تقنين المقياس على عينة أصدق تمثيلاً للمجتمع الأمريكي ، ثم ظهرت المراجعة الثالثة عام 1960 في صورة واحدة ( ل ـ م ) . تشمل أحسن ما في الصورتين (ل) ، (م) من فقرات حتى تلاحق التقدم الحضاري فضلاً عن مراجعة تصنيف الفقرات حسب مستوى صعوبتها وقدرتها على التمييز بين الأعمار المختلفة والإقلال من الفروق بين الجنسين .
أما الصورة الرابعة من مقياس ستانفورد بينيه للذكاء فقد صدرت في الولايات المتحدة عام 1986 والتي أعدها ثورنديك وهاجن وساتلر في ضوء إستراتيجية تختار بموجبها عينة عريضة عن مدى كبير من المهام المعرفية التي تنبئ بالعامل العام للذكاء .
ويتمثل نموذج تنظيم القدرات المعرفية في الصورة الرابعة من المقياس في ثلاثة مستويات :
المستوى الأول : عامل الاستدلال العام ( في المستوى الأعلى ) .
المستوى الثاني : تمثل في ثلاثة عوامل عريضة في مجالات أكثر تخصصاً هي : الاستدلال اللفظي ، والاستدلال الكمي ، والاستدلال المجرد / البصري .
ويندرج تحت هذه المجالات خمسة عشر اختباراً تخصصياً على النحو التالي :
(1) الاستدلال اللفظي / ويتضمن اختبارات : المفردات والفهم ، والعلاقات اللفظية .
(2) الاستدلال المجرد / البصري : ويندرج تحته اختبارات : تحليل النمط ، والنسخ والمصفوفات وثني وقطع الورق .
(3) أما الاستدلال الكمي : فيندرج تحته : الاختبار الكمي ، وسلاسل الأعداد ،وبناء المعادلة .
(4) أما الذاكرة قصيرة المدى : فتشمل اختبارات : تذكر الجمل ، إعادة الأرقام ، تذكر الأشياء .
وبذلك يمكن الحصول على خمس عشرة درجة معيارية وأربع درجات معيارية عمرية للمجالات الأربعة ، فضلاً عن درجة مركبة ، وبذلك يمكن رسم صفحة نفسية فارقة ( بروفيل ) ( لويس مليكة : 1998-701) .
وكان لويس مليكة (1994) قد قام بتعريب المقياس ، بقصد توفير إمكانية المقارنة الثقافية حاول فيه الاحتفاظ قدر الإمكان بمواد المقياس الأصلية التي يفترض أنها متحررة نسبياً من تأثيرات العوامل الثقافية مثل : اختبارات الاستدلال التجريدي ـ البصري ، واختبار تذكر الخرز ، وتذكر الأشياء ، وإعادة الأرقام ، وبعض اختبارات الاستدلال الكمي ـ فيما عدا ما يتعلق منها بالعملات وأسعار السلع والخدمات والأجور ، وفي مجال الاستبدال اللفظي تم تغيير عدد من المفردات والأسئلة غير المألوفة ثقافياً .
ولقد أورد لويس مليكه معايير التقنين الأمريكية التي أجريت على أكثر من 5000 فرد تبدأ من عمر سنتين ، كما أورد معاملات ثبات المقياس باستخدام أسلوب كيودر ـ ريتشارد سون والتي تراوحت بين 0.95 ، 0.99 ، وكانت معاملات ثبات المجالات الأربعة تتراوح بين 0.80 ، 0.97 ، وبالنسبة للمقاييس الفرعية كانت معاملات الثبات تتراوح ما بين 0.80 إلى أعلى من 0.90 بقليل .
أما بالنسبة لصدق المقياس : فقد تم حسابه بعدة طرق منها التحليل العاملي لمكوناته فكشفت نتائج التحليلات العاملية عن تشبعات عاليه بعامل عام في كل الاختبارات مما يدعم استخدام درجة مركبة كلية ، كما حسب صدق ارتباط المقياس باختبارات ذكاء أخرى منها الصورة ل ـ م ومقياس وكسلر بلفيو للذكاء ، كما تم تطبيقه على فئات مختلفة من المتخلفين عقلياً وذوي صعوبات التعلم والعاديين والمتفوقين عقلياً ، وكانت نتائجها مدعمة لقدرة المقياس على التمييز بين الجماعات المختلفة .
أما في مصر فقد تم إعداد الجداول المعيارية طبقاً لعينه مكونة من مجموعتين : الأولى من سن سنتين و 15 يوم إلى 11 شهر ـ 29 سنة عددها 2408 فرداً من الجنسين . والثانية من 15 يوم ، 11 شهر ، 29 سنة إلى ما فوق السبعين وعددها 644 فرداً من الجنسين وأخذت العينة من 18 محافظة من محافظات مصر ، ومن المستويات التعليمية والمهنية المختلفة .
وأشارت النتائج المبدئية إلى أن المقياس يتسم بثبات مرتفع نسبياً عند استخدام معادلة كيودر ـ ريتشارد سون ، حيث تراوحت معاملات الثبات من 0.82 ( التذكر الأرقام ) ، 0.85 ( للعلاقات اللفظية ) ، إلى 0.97 ( التذكر الموضوعات ) ، 0.95 ( لكل من تحليل النمط والفهم ) ، أما الثبات بطريقة الإعادة فقد كانت بالنسبة لأطفال ما قبل المدرسة ( ن = 30 طفلاً ) تتراوح بين 0.53 لاختبار النسخ 0.86 لتذكر الجمل ، إلى 0.64 ، للاستدلال المجرد / البصري ، 0.66 ، للاستدلال الكمي 0.87 ، للاستدلال ، 0.88 للذاكرة قصيرة المدى 0.87 الدرجة المركبة .
أما عن صدق المقياس فقد حسبت مصفوفة معاملات الارتباط بين الدرجات الفرعية للفئات العمرية من 2 إلى أقل من 30 سنة ، وكانت جميعها موجبة مما يشير إلى احتمال وجود عامل مشترك بينها وفي مجموعة التقنين من 30-70 سنة فما فوق ، فقد كانت معاملات موجبة وتميل إلى الارتفاع عن مثيلاتها في الفئات العمرية الأصغر.
وثمة أدلة أخرى على صدق المقياس توفرت أثناء التقنين منها أن متوسط الدرجة المركبة لمائة فرد من المتخلفين عقلياً كان 41.81 ( بمركز التوجيه النفسي بحدائق القبة ) ، و 49.53 ( بمركز أبو العزايم للمعاقين عقلياً ، ومركز سيتي للتدريب والدراسات في مجال الإعاقة ، وفي دراسة على المتفوقين والمتأخرين دراسياً كان متوسط المتفوقين 92.85 ، والمتوسطين تحصيلياً 80.72 والمتأخرين 70.77 وفي دراسة على ذوي صعوبات التعلم والمتأخرين دراسياً والمتخلفين عقلياً كانت الدرجة المركبة للفئة الأولى 97.29 ،والثانية 77.76 والثالثة 56.73 . وهذه المتوسطات توضح صدق المقياس في التمييز بين الفئات المختلفة في معامل الذكاء .
(2) مقياس وكسلر لذكاء الأطفال :
وضع ديفيد وكسلر Wechsler,D. عام 1939 مقياس وكسلر بلفيو لذكاء الراشدين والمراهقين ، وعندما لاحظ وكسلر أن هذا المقياس غير مناسب لقياس ذكاء الأطفال أعد مقياس وكسلر لذكاء الأطفال عام 1949 يتكون من اثني عشر اختباراً فرعياً على غرار مقياسه السابق يضم فقرات سهلة تناسب الأطفال من سن الخامسة إلى الخامسة عشر وخمسة شهور. وفي عام 1974 عُدل المقياس وصدر ويسك المعدل WISC-R والذي حافظ فيه" وكسلر" على بناء المقياس من اثني عشر اختباراً فرعياً مع إجراء تعديل عدد من الفقرات ليرفع سقف الاختبار إلى سن السادسة عشر وخمسة شهور . وقد أشارت الدراسات إلى أن وكسلر لذكاء الأطفال من المقاييس الجيدة في تشخيص التخلف العقلي، فهو يقيس القدرة العقلية العامة والقدرة العقلية اللفظية والقدرة العقلية العملية، ويقدم صفحة نفسية لقدرات الطفل المفحوص، مما يساعد فريق التشخيص على اتخاذ القرارات المناسبة بشأن التشخيص وبرامج الرعاية.