مشكلات الموهوبين
قد يواجه الطلاب الموهوبين نفس المشكلات التي يواجهها غيرهم من الطلاب الذين ينتمون إلى نفس مراحلهم العمرية، إلا أن الموهوبين يتميزون ببعض الصفات والخصائص الشخصية التي تميزهم عن غيرهم من الأفراد.
فيرى سليمان (2001) أن الموهوبين يتميزون بالعديد من السمات الشخصية الإيجابية، مثل الجرأة، والمغامرة، والرغبة في التفوق، مع درجة عالية من دافعية الإنجاز، ودرجة عالية من الثقة بالنفس، واللياقة الشخصية والاجتماعية، وحسن التصرف.
بينما يرى كيتانو (Kitano, 1990) أنه لدى الموهوبين من السمات والخصائص ما قد يُعرضهم للمجازفة أو يُوقعهم في مواقف صعبة مع أنفسهم ومع الآخرين، ومن بين هذه الخصائص: الحساسية الزائدة، وقوة العواطف، وردود الفعل الكمالية، والشعور بالاختلاف، والنمو غير المتوازن في المجالات العقلية والاجتماعية والعاطفية. وكذلك ريس (Reis, 1995) حيث ترى أن الحياة الشخصية وعدم توفر الوقت من الأسباب التي تعيق عملية تطور الإنجاز والمثابرة عند النساء الموهوبات، كما أن غياب الدعم الأسري والتوجيه المهني يؤدي إلى تعرض الموهوبين للمشكلات.
وقد صنف العديد من الباحثين (البحيري، 2002 ؛ جروان، 2004 ؛ Silverman, 1993) الكتابات التي تناولت حاجات الموهوبين ومشكلاتهم إلى مجموعتين:
_ ترى الأولى أن الموهوبين والمتفوقين عقلياً عرضة للمشكلات، وخاصة عندما تكون الموهبة من مستوى مرتفع، حيث تزيد هذه الموهبة من عرضة الطفل للمصاعب التكيفية. ويعتقد مدعموا وجهة النظر هذه؛ أن الأطفال الموهوبين عرضة للمشكلات الانفعالية والاجتماعية، وأنهم أكثر حساسية للصراعات الاجتماعية، ويمرون بدرجات من الاغتراب والضغوط أكثر من أقرانهم، وذلك نتيجة لقدراتهم المعرفية، وبالتالي هناك حاجة إلى التدخل والاهتمام بشكل خاص من حيث مساعدتهم على التغلب على الصعوبات والمشكلات النادرة التي قد تصادفهم، والتي يمكن وصفها بأنها من النوع الخاص.
_ أما الثانية؛ فترى أن الأطفال الموهوبين باستطاعتهم الاعتماد على أنفسهم، وأنهم كمجموعة يظهرون مستوى جيد من التكيف العاطفي، وأقلية منهم يعانون من مشكلات ويحتاجون إلى تدخل خاص، لأنهم بوجه عام أكثر تكيفاً من الأطفال غير الموهوبين. وتؤكد هذه النظرة على أن الموهبة تحمي الأطفال من سوء التكيف، وأنه لدى الموهوبين قدرة أكبر على فهم الذات والآخرين نتيجة لقدراتهم المعرفية الكبيرة، ولذا تكون قدرتهم على التعامل مع الضغوط والصراعات أكثر من أقرانهم. وتدعم الدراسات البحثية هذه النظرة حيث تؤكد أن الأطفال الموهوبين يظهرون تكيفاً أفضل من أقارنهم العاديين. Baker,1995; Hawkins, 1993 ; Garland & Zigler, 1999) ؛ المنياوي، 1991 ؛ منسي، 2003).
ومن هنا يؤكد سيلفرمان (Silverman, 1993) على وجود تناقض في نتائج الأبحاث، فحين أبدت العديد من الأبحاث التكيف الاجتماعي والعاطفي للموهوبين، تعارضت نتائج الأبحاث الكلينيكية مع ذلك وترى أن الأفراد الموهوبين يتعرضون لصراعات داخلية بالإضافة إلى أنهم أقل تكيفاً من الناحية الاجتماعية.
ولكن عند إمعان النظر، يلاحظ أنه لا يوجد تعارض بين وجهتي النظر السابقتين، ذلك أن الباحثين الذين يرون أن الأطفال الموهوبين أكثر تكيفاً وبإمكانهم الاعتماد على أنفسهم، اختاروا عادة أطفالاً في برامج أكاديمية صممت خصيصاً للأطفال المتفوقين عقلياً والموهوبين. وأن هؤلاء الأطفال حين تم اختيارهم، فلا بد أن تحصيلهم في المدارس كان مميزاً، وأنهم كانوا متوافقين نفسياً ومتفاعلين اجتماعياً، وبشكل عام لم يمروا بخبرات تنطوي على مشكلات نفسية أو اجتماعية.
من ناحية أخرى، فإن الباحثين الذين يلاحظون بعض المشكلات لدى الأطفال الموهوبين، غالباً ما يكون ذلك من خلال المعلومات التي يجمعونها من المواقع الإكلينيكية أو من دراسة الحالات.
وتؤكد أدبيات البحث النفسي والتربوي أنه يمكن تقسيم مشكلات الأطفال الموهوبين إلى: مشكلات داخلية المنشأ، ومشكلات خارجية المنشأ. أما المشكلات داخلية المنشأ؛ فهي التي تظهر بداية مع الطفل نفسه، بصرف النظر عن التأثيرات البيئية _سواء بيئة الأسرة أو بيئة المدرسة_، وأنها نابعة من شخصية الطفل الموهوب، ولها علاقة بسمات هذه الشخصية. أما المشكلات خارجية المنشأ فهي تلك المشكلات التي تتعلق بأسباب بيئية، وهي ناجمة عن تفاعل الطفل مع أسرته والبيئة المحيطة به، كثقافة المجتمع، وما إلى ذلك من عوامل بيئية أخرى. (سليمان، 2004).
وبصورة عامة تندرج المشكلات التي يعاني منها الموهوبين تحت عدة أبعاد، وفيما يلي إشارة إليها كما وردت في كتابات سابقة:
وقد أوردت السرور (1998) أن جيمس وب وهو من أكثر التربويين اهتماماً بالحاجات النفسية والاجتماعية للموهوبين، قد صنف مشكلاتهم إلى:
1. مشكلات داخلية وتتمثل في: (عدم التوازن في النمو العقلي والجسمي، وكذلك في النمو العقلي والانفعالي، والحساسية العالية ومحاسبة النفس، وفلسفة الوجود، وتعدد الاهتمامات، والميل إلى تشكيل الأنظمة والقوانين في سن مبكر، والإصابة ببعض الإعاقات، ونشدان الكمال والمثالية).
2. مشكلات خارجية وتتمثل في: ( ضغط الزملاء، وضغط الإخوة، والتوقعات العالية من الآخرين، وطموحات الأهل العالية، والبيئة المحبطة والاكتئاب، والمحاسبة والتقييم على أساس الدرجات المدرسية وليس على أساس القيمة الشخصية للموهوب، وحشرية الأهل وتدخلهم الزائد في شئون الطفل الموهوب وانجازاته المدرسية والأكاديمية).
كما ذكر العزة (2000) بأنه نظراً لتميز الطلاب الموهوبين في صفاتهم وخصائصهم وسماتهم الشخصية والسلوكية والانفعالية والتعليمية والقيادية والاجتماعية، فإن لهم مشكلات ناتجة عن تلك الصفات والخصائص مع مجتمع الرفاق في المدرسة، ومع أفراد الأسرة والعمل، ومن الضروري التعرف على هذه المشكلات بالنسبة للمرشدين والمعلمين والأسرة والإداريين، لكي يعرفوها ويتعاملوا معها: ومن أهم هذه المشكلات: (الشعور بالملل والضجر من المناهج الدراسية العادية، الكسل والتقصير في الواجبات المدرسية، وضغط الأقران، ونقص التزامن والتوافق بين النضج العقلي للموهوب، ونموه الاجتماعي والانفعالي والجسمي).
وقد أكد حسانين (1997) بأن نتائج الدراسات تشير إلى أن هناك مشكلات تنشأ عن كبت موهبة الابتكار، وإنكار الحاجات الإبداعية للموهوب أثناء المراحل التعليمية، وأن هذه المشكلات تتمثل في: (تكوين مفهوم خاطئ عن الذات، والقصور في التعلم، ومشكلات سلوكية وصراعات نفسية تعليمية.
أما العمران (2000) فتشير إلى أنه باستقراء التراث النفسي حول مشكلات الطفل الموهوب في الأسرة يمكن استخلاص المشكلات الست التالية: (بروز دور الطفل الموهوب كوالد ثالث في الأسرة، ودوران الأسرة في فلك الطفل الموهوب، وعزل الطفل الموهوب في شرنقة الحماية الأسرية، وإحساس الآباء بالتنافر المعرفي، وإعلان الآباء الحرب على المدرسة، وعلاقة الطفل الموهوب بإخوته).
أما جروان (2000 _ 2002) فقد قام بتصنيف مشكلات الموهوبين إلى ثلاثة أنواع هي:
أولاً: مشكلات معرفية. وأهمها: عدم كفاية المناهج الدراسية، وتدني التحصيل الدراسي.
ثانياً: مشكلات انفعالية: ومنها: الحساسية المفرطة، والحدة الانفعالية، والكمالية.
ثالثاً: مشكلات مهنية: صعوبة الاختيار وتحديد الأهداف المهنية، والرغبة في تغيير تخصصاتهم المهنية.
كما لخص سليمان (2004) مشكلات الأطفال الموهوبين وصنفها على النحو الآتي:
أولاً: مشكلات ذاتية (تتعلق بالطفل نفسه): وأهمها:
بطء المهارات الجسمية، وغياب التوازن بين النضج الانفعالي والنضج العقلي، ونشدان الكمال والبحث عن المثالية، والإفراط في محاسبة النفس، والبحث عن معنى للحياة).
ثانياً: مشكلات أسرية: وأهمها:
اللامبالاة من جانب الوالدين، وإهمال الطفل المتفوق أو الموهوب والسخرية منه، والمبالغة في تقدير الوالدين لتفوق الطفل، وإهمال إشباع الحاجات الأساسية لديه، وسوء توافق الموهوب مع إخوته).
ثالثاً: مشكلات مدرسية: وأهمها:
تجاوز الطفل الموهوب لسرعة التعلم في المدرسة العادية، وإخفاقها في إشباع حاجاته، وفتور حماسه تدريجياً، وتدني التحصيل كنتيجة لغياب التشجيع، وتحول المدرسة إلى مركز طرد للطفل الموهوب).
رابعاً: مشكلات ذات صلة بالتوافق الاجتماعي: وأهمها:
صعوبة تكوين صداقات مع الأقران، وصعوبة التواصل اللغوي معهم، والبحث عن أصدقاء، ومشكلة تخطي سنوات الدراسة، وشعور الطفل الموهوب عقلياً بالإغتراب والنقص، وتشكيل الأنظمة والقوانين).
خامساً: مشكلات أخرى: وأهمها:
تجنب المخاطرة والبعد عن المغامرة، وتعدد قدرات الطفل الموهوب، والموهوبون المعاقون جسمياً، وتوقعات الآخرين).
ومما سبق يتضح أن الموهوبين هم فئة خاصة تحتاج لرعاية خاصة تمكنهم من تنمية طاقاتهم ومواهبهم إلى أقصى مدى ممكن وفقاً لخصائصهم ومشكلاهم وحاجاتهم المختلفة.
وفي هذا الصدد يشير زهران (2003) إلى أن الموهوبين فئة لها حاجاتها الخاصة، مما يوجب توفير خدمات تربوية وإرشادية متخصصة تتناسب مع هذه الحاجات. وأهم الحاجات الخاصة لديهم:
o الحاجة إلى مزيد من الإنجاز.
o الحاجة إلى مزيد من تقدير الآخرين.
o الحاجة إلى مزيد من الرعاية المتخصصة.
o الحاجة إلى برنامج دراسي خاص.
o الحاجة إلى برنامج إضافي خاص.
o الحاجة إلى الاندماج الاجتماعي.