في عام 1943 م كتب الطبيب النفسي ليوكانر Leo Kanner مقالة تصف أحدى عشر مريضاً تابع حالتهم على مدى سنوات في عيادته، هؤلاء الأطفال كانوا يتصفون بمجموعة من الأعراض المرضية تختلف عن الأعراض النفسية التي تعود على متابعتها أو قرأ عنها في المنشورات والكتب الطبية، وقد أستعمل مصطلح التوحد Autism لأول مرة للتعبير عنها، وتتابعت البحوث والدراسات في محاولة لإجلاء الغموض عنه.
من المصادفات العجيبة أكتشف العالم النمساوي Hans Asperger في فينا بالنمسا عام 1943 م حالات تختلف في سماتها وإعراضها عن حالات كانر المسماة بالتوحد، وقام بنشر بحثه باللغة الألمانية، وتداولته بعض الدوائر العلمية المحيطة في أوروبا، ولم يتم التعرف عليه في أمريكا بسبب الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1981 ألتقي أسبرجر بأحدي أطباء الأطفال الإنجليزية Lorna Wing والتي تعاني أبنتها من أعراض التوحد في أحدى اللقاءات العلمية في فيينا، وقامت بتلخيص بحثة ضمن سلسلة من دراسة الحالات كانت تقوم بإصدار تقارير دورية عنها باللغة الإنجليزية، وفي عام 1991 أصدر العالم البريطاني Frith كتابة عن التوحد والاسبرجر الذي نشر فيه نتائج بحوث أسبرجر باللغة الإنجليزية، والتي كانت سابقاً تسمى التوحد ذو الأداء الوظيفي العالي high functioning autism أو أعاقة التوحد الخفيف mild autism، ومن ثم عرفت تلك الحالة وسميت باسم مكتشفها " متلازمة أسبر جر Asperger`s Syndrome، بعد دراسة آلاف الحالات في اوروبا وأمريكا، مما برر إعتبارة أعاقة مستقلة بالإضافة إلى التوحد تحت مظلة أضطرابات النمو الشائعة
حالات أخرى سميت " متلازمة ريت Rett`s syndrome" باسم مكتشفها الطبيب النمساوي Dr. Andreas Rett، الذي أكتشف وجود حالات تختلف في أعراضها وسماتها عن التوحد، وقام بمتابعة تلك الحالات لعدة سنوات، وكتب عن نتائج بحوثة مقالا في أحد الدوريات العلمية عام 1965 باللغة الألمانية، فلم تثير مقالته أي اهتمام في الدوائر الطبية، وفي عام 1985 قام الطبيب السويدي Bengt Hagberg بترجمة هذا المقال ونشرة باللغة الإنجليزية، ثم قام هذان الطبيبان " بينجت وريت" بزيارة أمريكا ودراسة عدد من حالات الفتيات الأمريكيات، وأثناء زيارتهما لمعهد في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند أعلنا عن إصابة بعض الفتيات بنفس الأعراض والسمات، والتي عرفت بعد ذلك بمتلازمة ريت، وبعدها تكونت الجمعية الدولية لمتلازمة ريت التي استهدفت الكشف عن حالاتها وتوعية الآباء والأمهات وأجراء البحوث العلمية للكشف عن العوامل المسببة والبحث عن أساليب العلاج أو إيقاف التدهور الذي يميزها.
من هنا يجب على العاملين في القطاع الطبي التعرف على السلوكيات غير السوية للطفل الطبيعي قبل تشخيص الحالات كأمراض سلوكية ، كما معرفة أن اضطرابات النمو لدى الأطفال مجال واسع التوحد احدها، وللقيام بتشخيص حالات التوحد فإن ذلك يحتاج إلى متخصصين في هذا المجال، وتطبيق المعايير العلمية لها كما ذكر في الدليل الإحصائي للاضطرابات النفسية في أصدارة الرابع DSM-4 عام 1994، وفي الدليل الدولي لتصنيف الإمراض الذي تصدره هيئة الصحة العالمية International Classification of Diseases في أصدارة العاشر ISD-10، كما يجب على العائلة التي لديها طفل مصاب بأحد الأمراض السلوكية بمعرفة حالته، لأن ذلك سوف يساعد في تحديد إمكانيات وبرامج ووسائل التدخل العلاجي والتأهيل سواء على المستويات الطبي والتربوي والاجتماعي.
ما معنى التوحد ؟التوحد كلمة مترجمة عن اليونانية وتعني العزلة أو الانعزال ، وبالعربية أسموه الذووية ( وهو أسم غير متداول )، والتوحد ليس الأنطوائية، وهو كحالة مرضية ليس عزلة فقط ولكن رفض للتعامل مع الآخرين مع سلوكيات ومشاكل متباينة من شخص لآخر.
ما هو التوحد ؟التوحد اضطراب معقد للتطور يظهر في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل نتيجة خلل وظيفي في المخ والأعصاب لم يصل العلم إلى تحديد أسبابه.
ما هي الأسباب ؟التوحد مرض غامض، يتركز على السلوك وطريقة بناء النمو المعرفي واللغوي ، اضطراب النفس وأسرارها، وهناك مجال واسع من التوافق والاختلاف للأعراض المرضية التي تتركز على تواجد اضطراب في السلوك.
هل يوجد لدينا حالات كثيرة ؟لا يوجد في مجتمعنا العربي إحصائيات متكاملة تنير لنا الطريق لمعرفة نسبة حدوثه، كما أن لتنوع صفات الحالة والنقص الشديد في المتخصصين دوراً في نقص التشخيص، لذلك نعتقد أن عدد الحالات الموجودة فيها أكثر مما هو مشخص .
في أي الجنسيات تزيد نسبة حدوثه ؟التوحد بلا جنسية يصيب البيض والسود، الأغنياء والفقراء في الشمال والجنوب على حد سواء، وليس كما كان يعتقد في السابق بأنه مرض الطبقة الراقية، ففي الماضي كانت الخدمة الصحية متوفرة للأغنياء ، وكانوا هم من يهتم بالحالة النفسية لأبنائهم.
ما هي نسبة حدوثه ؟ في أوروبا تشير الإحصائيات أن نسبة حدوث التوحد تصل إلى 3-4 حالات لكل عشرة آلآف ولادة ، وتزيد لتصل إلى حالة لكل 500 ولادة في أمريكا ، كما أنه يصيب الذكور ثلاثة أضعاف إصابته للإناث
هل هو مرض وراثي ؟الدراسات التي أجريت لم تشير إلى أي دور للوراثة في حدوث التوحد
هل تعامل الوالدين مع طفلهم يؤدي إلى التوحد ؟ في وقت من الأوقات كان الاعتقاد السائد أن التوحد رد فعل نفسي لتصرفات أحد الوالدين أو كلاهما، وخاصة عندما يكون الوالدين باردين في تعاملهما أو منعزلين غير ودودين أو من كان لديهم مشاكل نفسية أو انفصام في الشخصية، وكانت أم الطفل المتوحد يطلق عليها ( الأم الثلاجة ) لبرودتها في التعامل، ولكن الحقيقة أن الوالدين مهما كان تعاملهما مع الطفل ومهما كانت حالتهم النفسية ليسوا سبباً في حدوث التوحد.
هنا لا بد من التنويه أن الوالدين والعائلة يلعبون دوراً رئيساً وأساسياً في تطور الطفل المتوحد وزيادة اكتسابه للمهارات الفكرية والسلوكية ، فالعائلة هي المدرسة الرئيسة في تدريبه وتعليمه، ويمكنهم وضعه في مستوى فكري ونفسي أرقي و أفضل
هل هي عين أصابت الطفل ؟أحد التساؤلات المهمة المنتشرة في مجتمعنا، طفلي كان سليماً كالوردة المتفتحة وبصحة جيدة، يلعب مع أقرانه ويتفاعل مع مجتمعه، وبعد أن زارتنا فلانة أو فلان من الناس تغير حال طفلي، فأصبح منطوياً على نفسه كارهاً للحياة، إنها عين ذلك الشخص أصابت طفلي.
كلنا يؤمن بالعين والحسد، ومن شر حاسد إذا حسد، ولكن أمامنا حالة مرضية منتشرة في الشرق والغرب، تظهر أعراضها في وقت معين خصوصاً بعد عمر السنتين حيث تبدأ حالة الطفل بالتدهور، تلك حقائق علمية درست كثيراً فلا يجب الاختباء خلف بعض التفسيرات التي تؤجل الرعاية السليمة للطفل.
ما هي المشكلة الرئيسية في التوحد ؟الأطفال التوحديين يعانون من مشاكل كبيرة في اللغة والتخاطب ، بالإضافة إلى مشاكل سلوكية مثل عدم مشاركة الأطفال الآخرين في اللعب ، كما أنهم ينفعلون ويغضبون عندما يتدخل الآخرون في ترتيب أغراضهم ، أو أخذ شيء من خصوصياتهم .
كيف يؤثر التوحد على السلوك ؟الأطفال التوحديون لديهم صعوبات سلوكية في التعامل مع الآخرين تتركز على سلبيتهم في التعامل، وهؤلاء الأطفال قد يكونون إنطوائيين ساكنين ، وقد يكونون نشيطين مخربين، وتختلف درجة المشاكل السلوكية من الشديدة إلى الخفيفة، فقد يكونوا مؤذيين لأنفسهم وللآخرين، وقد يكون خفيفاً بحيث يصعب ملاحظته.
هل يمكننا مساعدتهم ؟نستطيع مساعدة الأطفال التوحديون وإن لم يكن هناك علاج تام وشاف، فنحن لا نستطيع إصلاح الخلل الدماغي ولكن يمكن تعديل الكثير من السلوكيات والمشاكل اللغوية ليستطيع العيش بسهولة في المجتمع الكبير.
هل تأخير التدخل يؤثر عليهم ؟تأخير التدخل يؤثر على درجة التحسن، ولكن السؤال هو كم من الوقت يترك فيه الطفل بدون تدخل وحرمان من العواطف يؤدي إلى أن تصبح الآثار المرضية ثابتة وغير قابلة للعلاج والتعديل.
ما هي علامات التــــــــــوحــــــــــــــــــد ؟التوحد هو الانطواء على النفس ورفض التعامل مع الآخرين سواء أسرته أو مجتمعه، وعادة ما يكون استحواذي نمطي مكرر، وفي الطب النفسي يعرفونه أنه ( اضطراب إنفعالى ) يصيب الأطفال، وهو أحد اضطرابات السلوك، ويمكن تلخيص الحالة في النقاط التالية
اضطراب التواصل مع المجتمع لغوياً وغير لغوياًo اضطراب التفاعل الاجتماعيo اضطراب القدرة الإبداعية والقدرة على التخيل
متى تظهر الأعراض المرضية ؟يولد الطفل سليماً معافى، وغالباً لا يكون هناك مشاكل خلال الحمل أو عند الولادة، وعادة ما يكون الطفل وسيماً وذي تقاطيع جذّابة، ينمو هذا الطفل جسمياً وفكرياً بصورة طبيعية سليمة حتى بلوغه سن الثانية أو الثالثة من العمر ( عادة ثلاثون شهراً ) ثم فجأة تبدأ الأعراض في الظهور كالتغيرات السلوكية ( الصمت التام أو الصراخ المستمر )، ونادراً ما تظهر الأعراض من الولادة أو بعد سن الخامسة من العمر، وظهور الأعراض الفجائي يتركز في اضطراب المهارات المعرفية واللغوية ونقص التواصل مع المجتمع بالإضافة إلى عدم القدرة على الإبداع والتخيّل .
ما هي الأعـــــــــــــراض المرضيــــــــــــــــــة؟ هناك العديد من الأعراض التي تتواجد في الطفل التوحدي ، ومن أهمها: o الرتابة، وعدم اللعب الإبتكاري ، فلعبه يعتمد على التكرار والرتابة والنمطيهo مقاومة التغيير ، فعند محاولة تغيير اللعب النمطي أو توجيهه فإنه يثور بشدةo الانعزال الاجتماعي ، فهناك رفض للتفاعل والتعامل مع أسرته والمجتمع o المثابرة على اللعب وحده وعدم الرغبة في اللعب مع أقرانهo الخمول التام أو الحركة المستمرة بدون هدفo تجاهل الآخرين حتى يضنون أنه مصاب بالصمم o الصمت التام أو الصراخ الدائم المستمر بدون مسبباتo الضحك من غير سببo عدم التركيز بالنضر ( بالعين ) لما حولهo صعوبة فهم الإشارة ومشاكل في فهم الأشياء المرئيةo تأخر الحواس ( اللمس ، الشم ، التذوق )o عدم الإحساس بالحر والبردo الخوف وعدم الخوف o مشاكل عاطفية ، ومشاكل في التعامل مع الآخرين